کد مطلب:355769 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:262

الاعتراض 04


وهو الاعتراض المهم الذی له وجه علمیّ، قالوا: بأنّ علیّاً مفرد، ولماذا جاءت الالفاظ بصیغة الجمع: (والذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة ویؤتون الزكاة وهم راكعون).

هذا الاشكال له وجه، ولا یختصّ هذا الاشكال والاعتراض بهذه الایة، عندنا آیات أُخری أیضاً، وآیة المباهلة نفسها التی قرأناها أیضاً بصیغة الجمع، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعلی، مع أنّ اللفظ لفظ جمع (أنفسنا وأنفسكم) وجاء بفاطمة والحال أنّ اللفظ لفظ جمع «النساء»، هذا الاعتراض یأتی فی كثیر من الموارد التی تقع مورد الاستدلال، وفی سائر البحوث العلمیة المختلفة لا فی بحث الامامة فقط.

الزمخشری الذی هو من كبار علماء العامّة، ولیس من أصحابنا الامامیّة، صاحب الكشّاف وغیر الكشّاف من الكتب الكثیرة فی العلوم المختلفة، یجیب عن هذا الاشكال، وتعلمون أنّ الزمخشری تفسیره تفسیر للقرآن من الناحیّة الادبیّة والبلاغیّة، هذه میزة تفسیر الكشّاف للزمخشری، وهذا شی ء معروف عن تفسیر الزمخشری، وأهل الخبرة یعلمون بهذا.



[ صفحه 34]



یجیب الزمخشری عن هذا ما ملخّصه: بأنّ الفائدة فی مجی ء اللفظ بصیغة الجمع فی مثل هذه الموارد هو ترغیب الناس فی مثل فعل أمیرالمؤمنین، لینبّه أنّ سجیّة المؤمنین یجب أن تكون علی هذا الحد من الحرص علی الاحسان إلی الفقراء والمساكین، یكونون حریصین علی مساعدة الفقراء وإعانة المساكین، حتّی فی أثناء الصلاة، وهذا شی ء مطلوب من عموم المؤمنین، ولذا جاءت الایة بصیغة الجمع. هذا جواب الزمخشری. [1] .

فإذن، لا یوافق الزمخشری علی هذا الاعتراض، بل یجیب عنه بوجه یرتضیه هو ویرتضیه كثیر من العلماء الاخرین.

ولكن لو لم نرتض هذا الوجه ولم نوافق علیه، فقد وجدنا فی القرآن الكریم وفی السنّة النبویّة الثابتة الصحیحة، وفی الاستعمالات العربیّة الصحیحة الفصیحة: أنّ اللفظ یأتی بصیغة الجمع والمقصود شخص واحد، كثیر من هذا الاستعمال موجود فی القرآن وفی السنّة وفی الموارد الاُخری، وهذا شی ء موجود.

مضافاً إلی جواب یجیب به بعض علمائنا وعلمائهم: أنّه فی مثل هذا المورد أراد الله سبحانه وتعالی أن یعظّم هذه الفضیلة أو



[ صفحه 35]



هذا الفعل من علی، وجاء بلفظ الجمع إكراماً لعلی ولما فعله فی هذه القضیّة.

وتبقی نظریة أُخری، أتذكّر أنّ السیّد شرف الدین رحمة الله علیه یذكر هذه النظریة وهذا الجواب ویقول: لو أنّ الایة جاءت بصیغة المفرد، لبادر أعداء أمیرالمؤمنین من المنافقین إلی التصرّف فی القرآن الكریم وتحریف آیاته المباركات عداءً لامیرالمؤمنین، إذ لیست هذه الایة وحدها بل هناك آیات أُخری أیضاً جاءت بصیغة الجمع، والمراد فیها علی فقط، فلو أنّه جاء بصیغة المفرد لبادر أُولئك وانبروا إلی التصرّف فی القرآن الكریم.

إنّه فی مثل هذه الحالة یكون الكنایة، صیغة الجمع، أبلغ من التصریح بأن یأتی اللفظ بصیغة المفرد، والذی آمن وصلّی وتصدّق بخاتمه فی الصلاة فی الركوع أو آتی الزكاة وهو راكع والروایات تقول هو علی، فیكون اللفظ وإن لم یكن صریحاً باسمه إلاّ أنّه أدل علی التصریح، أدل علی المطلب من التصریح، من باب الكنایة أبلغ من التصریح. یختار السید شرف الدین هذا الوجه. [2] .

ویؤیّد هذا الوجه روایة واردة عن إمامنا الصادق (علیه السلام) بسند



[ صفحه 36]



معتبر، یقول الراوی للامام: لماذا لم یأت اسم علی فی القرآن بصراحة بتعبیری أنا، لماذا لم یصرّح الله سبحانه وتعالی باسم علی فی القرآن الكریم؟ فأجاب الامام (علیه السلام): لو جاء اسمه بصراحة وبكلّ وضوح فی القرآن الكریم لحذف المنافقون اسمه ووقع التصرّف فی القرآن، وقد شاء الله سبحانه وتعالی أن یحفظ القرآن (وإنّا له لحافظون).

وهذه وجوه تذكر جواباً عن السؤال: لماذا جاءت الكلمة أو الكلمات بصیغة الجمع؟ولعلّ أوفق الوجوه فی أنظار عموم الناس وأقربها إلی الفهم: أنّ هذا الاستعمال له نظائر كثیرة فی القرآن الكریم، وفی السنّة النبویّة، وفی الاستعمالات الصحیحة الفصیحة، ثم إن الروایات المعتبرة المتّفق علیها دلّت علی أنّ المراد هنا خصوص علی (علیه السلام).

إذن، مجی ء اللفظ بصیغة الجمع لابدّ وأن یكون لنكتة، تلك النكتة ذكرها الزمخشری بشكل، والطبرسی بنحو آخر، والسید شرف الدین بنحو ثالث، وهكذا.

وإذا راجعتم كتاب الغدیر لوجدتم الشیخ الامینی رحمة الله علیه یذكر قسماً من الایات التی جاءت بصیغة الجمع وأُرید منها الشخص الواحد، ویذكر الروایات والمصادر التی یُستند إلیها فی



[ صفحه 37]



شأن نزول تلك الایات الواردة بصیغة الجمع والمراد منها المفرد.

فإذن، لا غرابة فی هذه الجهة.

هذه عمدة الاعتراضات المطروحة حول هذه الایة المباركة.

إذن، بیّنّا شأن نزول الایة، وبیّنّا وجه الاستدلال بالایة، وتعرّضنا لعمدة المناقشات فی هذا الاستدلال، وحینئذ لا یبقی شی ء آخر نحتاج إلی ذكره.

نعم، هناك بعض الاحادیث أیضاً كما أشرت من قبل هی مؤیّدة لاستدلالنا بهذه الایة المباركة علی إمامة أمیرالمؤمنین، منها حدیث الغدیر، ومنها حدیث الولایة الذی أشرت إلیه من قبل.

فحینئذ، لا أظنّ أنّ الباحث الحر المنصف یبقی متردّداً فی قبول استدلال أصحابنا بهذه الایة المباركة علی إمامة أمیرالمؤمنین، فتكون الایة من جملة أدلّة إمامته عن طریق ثبوت الاولویّة له، تلك الاولویّة الثابتة لله ولرسوله، فیكون علی ولیّاً للمؤمنین، كما أنّ النبی ولیّ المؤمنین، وهذه المنقبة والفضیلة لم تثبت لغیر علی، وقد ذكرنا منذ الیوم الاوّل أنّ طرف النزاع أبوبكر، ولیس لابی بكر مثل هذه المنقبة والمنزلة عند الله ورسوله.

وصلّی الله علی محمّد وآله الطاهرین.


[1] تفسير الكشّاف 649:1.

[2] المراجعات: 263.